Tuesday, November 13, 2007

ومن آياته الشتاء يحل حميما موشى بالسكينة

كل عام..في مثل هذا التوقيت يخرج قلبي إلى مشارف مدينة الزمن ،يتشوف عودة الشتاء الحبيب..يرنو محاولا النفاذ عبر طبقات الوقت متشمما متحسسا أمارات حلوله ..وبشائر مقدمه..كلما التقى منها واحدة ابتهج ..كلما زادت رقص ..كلما تكاثفت ارتعش كقلب غض يمسه الحب لاتول مرة
الشتاء
تلك الشريحة الندية المخملية من الزمان..حيث كل شىء ملون ينضح حياة ورقة..حيث الوجود بديع وبراق ..واللحظات مغسولة زاهية مبشرة فاتحة ذراعيها على حضن وارف بآفاق مغرية من الأحلام ليس لها حدود
أنتظر الشتاء مع هبوط الصيف من كل عام ..يخيم الصيف ثقيلا ..خانقا..لزجا..معروقا..يشل أوصال الحياة بسم زعاف ينفثه بضراوة ماجنة..اغتصاب علني ممجوج للحيوية والنضارة..احتلال لأروقة الزمن بالفوضى والارتباك والضجيج،يتحول معه كل شىء إلى عبء..وكل حلم إلى ذبيح..وكل سعادة إلى كائن غير مكتمل..وفيلم عربي بذىء هابط أسود كأفلام المخدرات في الثمانينيات ..تلك التي كانت أكبر خطايا أسرنا أنها تركتنا نجلس أمامها بالساعات ،فشوهت نفسيا جيلا كاملا،ببشاعتها وابتذالها يأتي الشتاء كنبي من أيام وأسابيع يذيب بلطفه ودماثته ووداعته جاهلية الصيف وينسف مذابحه الوثنية لحلاوة العيش..يتلو على العمر تراتيله القدسية ..وينبىء الحياة عن حقوقها المهدورة..وجمالياتها المغدورة المطمورة تحت ركام عبث الصيف وعشوائيته..يحل شعائر السلام والمودة مكان طقوس الارتجاج والارتجال والضوضاء التي فرضها الصيف وأشرف على التهامها القرابين من راحتنا وأماننا وتأملنا الصافي النفاذ أمني نفسي كثيرا في الشتاء بأوقات مفعمة بالتفتح ،وتنتصب قرون استشعار روحي حساسة لمواطن الجمال والبهجة والشاعرية والإبداع..أشعر بصلح جياش مع الأشياء والبشر..ينحسر غضبي وأبذل محبتي مدرارا..حتى صلاتي في الشتاء أستشعرها أكثر خشوعا وزخما بالتبتل والخضوع والتيقظ للروحانيات والمعاني..تغدو النفس أقدر على التقاط الآيات وترجمتها فوريا إلى فوران روحي عارم يخلع الدنيا وينبذها بلا ذرة تعلق ولا قلق..أسعد الرمضانات التي عشتها كانت الشتوية،أي التي جاءت في الشتاء،لأن فيوضاتها ونورانيتها زامنت وقتا هو بالأساس وقت انتعاش روحي بالنسبة لي..كنت أشعر أنني أعيش في كنف آية رحيبة مشحونة بالروعة من آيات الله المجيد ، فضمن آياته عز وجل – بالتاكيد – أن يأتي وقت تزخ فيه الدهشة المفجرة للبهجة على حياتنا المنهكة اللاهثة في أيام الصبر العبوس هذه التي أعيت القلوب وشرخت الأرواح ونهشت العقول..منطقي بعد ذلك أن تكون من بين أحب الأغنيات إلى قلبي (الدنيا برد)- منيب،(رجعت الشتوية) و شتي يا دنيا)- فيروز،(جيت يا شتا)- حميد)
الآن أنا مأخوذ بالاستعداد لاستقبال الشتاء في دورة تطهر لا إرادية تتوالى حلقاتها وتتشابك كجنين يتخلق في رحم أمه ناثرا اليقين والبشارة والبراءة..ولساني يلهج بحمد الكريم وشكره أن منحني الحياة حتى أذوق نشوة الاستعداد لشتاء جديد داعيا إياه سبحانه أن يرزقني شتاءات عديدة جميلة وسخية وثرية ..

No comments: