Saturday, November 10, 2007

أمي الحبيبة...سحقا لهذا العالم


أمي
ثم أرتطم بحائط بارد صلد من جفافي وفظاظتي وخواء الروح المدعم بعقم الكلمات وعجزها عن نقل دفقات الرثاء والحنين الذي يسفع بي بلا شفقة
أمي
ماذا أقول وكيف أكتب وقد سال كل شىء وانسكب مراقا على جوانب أوقات مدببة مناهضة للأمان
المهم
هي كائن من خارج الزمن
مسبوك من معاناة محضة ،يبذلها بتفان لا حدود له..ورضا لا تشوهه أبدا عبارات الضجر والشكوى التي تنحشر من خارج السياق من نوع:
يا أخي أنا زهقت من اهمالك ده ..نظم حياتك شوية-
غسيلك كتير خالص..لما أسافر هتتعب اخواتك
مش معقول اللخبطة اللي انت عايش فيها-
والذي يبلغ ذروته مع التقريع المعتاد
ما تشد حيلك بقى وتتجوز عشان تلحق اصحابك اللي اتجوزوا وخلفوا...دا انت بدأت تصلع وشعرك يبيض-
وهكذا
تصبح كل محاولات اثنائها عن فعل شىء مهما بدا صغيرا مجدبة فاقدة الجدوى والمعنى واللزوم تماما مثل الحزب الوطني

ملامحها المنهكة باستمرار..جسدها المهدود ..نظراتها المكدودة ..توحي أنها لن تصمد أبدا أمام جبل الأعمال التي تنوى القيام بها يوميا ..فضلا عن مجرة الهموم والشواغل النفسية التي تتقاذفها ..لكنها تفاجئني بعد عودتي كل يوم من العمل متأخرا ليلا أنها انتصرت على كل شىء ..وعلينا.. وعلى مشاكلنا ..وعلى عذابات الحياة التي تصبها فوق رؤوس الجميع بدون ذرة احترام ..ثم تقف مدشنة نهاية مشرفة جديدة ليومها الآخر الفائت بإعداد عشائي الذي لا تعرف هى أنني طوال تناوله لا أكف عن تأمل دأبها وصبرها وكدها ..ثم أخيرا ترتمي على عتبات الراحة متوسلة ساعات نوم ضنينة ..وحتى هذه لم تعد تهنأ بها منذ جاءت أولى حفيداتها ،سلمى بنت أختي
المشكلة الحقيقية هي أنه بحكم الزمن وقوانين الحياة وسيرورة الأحداث والأشياء فإنني،وإننا، لا نملك – للاسف- تخفيف معاناتها وإرهاقها وقلقها علينا وكذلك توترها وإثارة غضبها ..لأننا- بمنتهى البساطة- ولجنا دروب الحياة التي لا مندوحة عن تهييجها للهم وانشغال البال :العمل..الزواج ..المستقبل..السعى وراء الرزق..وفي حالتي تظل الدراسة مبعثا متوهجا للقرف..وهناك في مرتبة أسبق يجثم أمن الدولة الذي أصبح جزءا مغروسا في حياتي أيضا بحكم منطق الأشياء وقوانين الحياة ..إذ كونك تسعى لتكون إسلاميا على قدر من الجدية وكونك قطرة مهما كانت ضئيلة وهامشية في بحر معارضة هذا النظام البذيء الفاجر ،كل ذلك يجعلك مرمى أبديا لنيران الزبانية ونقمتهم وتنكيلهم
ما الأمر اذن؟
وفيم الرثاء؟
ببساطة لأن منطق الأمور – لثالث مرة- يقتضي أن تكون هذه المساحة من وجودنا مشحونة بجيوش المشاعر الحزينة ..نندفع جميعا في طرق لابد من الرضا بها ..علينا أن نكابد ما وسعتنا الطاقة لتجميلها وجعلها في متناول الاحتمال ..متسربلين بدروع الحزن ..نتعاطى الحنين كمسكن لتقرحات الروح التي تخلفها الأيام الناعمة المهدورة المغدورة ..يذرعنا الشجن للعمر المراق في وديان الألم ..وهى أمور لا يروضها سوى الإيمان واليقين بالعالم الآخر ..الحياة الحقيقية ..حيث ينزاح وعثاء الفانية عن الصدور .ويجلو النكد عن القلوب
أمي الحبيبة...سحقا لهذا العالم

3 comments:

أميرة محمد محمد محمد said...

اكثر من رائع اخي طارق نفس الاحساس اشعر به عندما انظر لامي التي خريجه صيدله و كان لديها موهبه ادبيه رائعه و لكن افنت كل هذا لاجلنا في تضحيه لا مثيل لها و ما يواسيني هو ان الجنه تحت اقدامها
لا تيأس ابدا و استمر في نضالك فهم كلاب لا يمكن ان يوقفونا باذن الله لغتك الادبيه عميقه و رائعه لدرجة ان تفكيري لايسعفني للرد علي هذا الفن
لا تتخيل كراهيتي لهذه الدنيا الملوثه والتي اعجز عن التماهي مثلما يفعل الاخرون و لكني اخشي الموت خوفا من تقصيري اللهم ارزقنا الثبات و الاخلاص و ارزقنا الجنه

محمود said...

اخيرا يا طارق عطفت علينا و كتبت قليلا من ابداعاتك...يا رصديقي العزيز احيانا اعتقد أن امهاتنا هم جبال صلدة قوية لا تضعف و لا تنكسر على الرغم من الوجه المرهق دائما الحنون للأبد ...هي تلومني على نشاطي السياسي لكنها في النهاية زوجة تحملت زوجها الذي قضى عشر سنوات في السجون ...
اتعلون طارق و اميرة ...اني احيانا اود ان اخبرها كم احبها كل لحظة و في كل دقيقة تمر ...ادامهم الله لنا دائما و مكننا من رد ولو جزء صغير من عطائهم..

محمود said...

اخيرا يا طارق عطفت علينا و كتبت قليلا من ابداعاتك...يا رصديقي العزيز احيانا اعتقد أن امهاتنا هم جبال صلدة قوية لا تضعف و لا تنكسر على الرغم من الوجه المرهق دائما الحنون للأبد ...هي تلومني على نشاطي السياسي لكنها في النهاية زوجة تحملت زوجها الذي قضى عشر سنوات في السجون ...
اتعلون طارق و اميرة ...اني احيانا اود ان اخبرها كم احبها كل لحظة و في كل دقيقة تمر ...ادامهم الله لنا دائما و مكننا من رد ولو جزء صغير من عطائهم..
تذكر لقائنا الخميس القادم يا طارق