إيمان..
أعرف أن الألم يعتصرك..لكن صدقيني ..ليس الأمر كله شرا،بل إنه – من زاوية أوسع – لا يحوي شرا على الإطلاق..على الأقل أنا الآن أوفر شجنا وصفاء وخصوصية بما يناسب أن أخرجك من داخلى وأضعك أمامي ..أجلس إليك..أحدثك طويلا ..أتملى عن كثب في عينيك ذواتي الحزن المترامي و اللوعة المستطيرة، اللتين لا أملك أن أعلن أنهما رائعتين إلا لنفسي.. وأحاول أن أتصور مخرجا لمحنتك..أو على الأقل أتخيل سيناريو إنسانيا لأحد الاحتمالات المتوقعة لحياتك في هذه الظروف..تأملت مليا الرقعة الحميمة البراقة التي غزوت فيها بعذوبة آسرة تاريخي الشخصي والتي ستفترش أيامي حتى أموت يوما ما في مكان ما لأني لا أنوي التمرد على احتلالك أبدا..لحظة مجيدة بالتأكيد تلك التي تشهد انبثاق ذلك الشىء بين اثنين ،كانت في حالتنا عندما رأيتك لأول مرة في مظاهرة منددة بالرسوم الصليبية المسيئة للرسول الكريم..توقفت عن التصوير عندما مررت أمامي ..كان مرآك أطهر من أن أحبسه في ظل داخل فيلم داخل كاميرا تختزل بهاءه في صورة تلصق على صفحة جريدة ترتزق من الاحتفاء بالأحداث النبيلة في حياتنا ثم لا تعدو قيمتها أن تكفن بها سندوتشات الغلابة في مطاعم الفول الذي أصبح صينيا بدوره..سجلتك تسجيلا أبديا في قلب الروح ..كان ناصعا وصادقا وجياشا ذلك الحزن الحقيقي المنثال من عينيك ..حزن لم أجده طوال تطوافي كصحفي على سائر المظاهرات التي خرجت لنفس السبب..كان الرسول محفورا في نظراتك يقود بجلاله النبوي مسيرة فجيعتك ..أعتبرأنني تعلمت الصحافة عمليا عليك و بك ..بحثت عنك .. خضت الجموع وراءك بلهفة باحث عن خلاصه الوحيد الذي لو فاته لتردى في الهالكين..تمايل قلبي .. إذ علمت أنك إخوانيةل مثلي ..كانت سعادة عاصفة تسلمني لأخرى ..لفرط الفرحة سولت لي نفسي أن الأمر سهل والحلم في متناول اليد..جلست مع نفسي أحسب كل شىء ..أنا أعمل ..دخلي معقول ويتطور ويمكنني زيادته بمزيد من العمل..أسرتي طيبة بسيطة وأنت أيضا..الخدش الأول لنشوتي جاء عندما عرفت من الإخوة في منطقتك أن والديك ليسا من الإخوان لكني عولت على أنهما حتما عظيمين لينجبا مثلك..لكن سرعان ما داهمتني صدمة أخرى عندما وقفت على واقع معاناتك داخل أسرتك ..تدينك الذي يعتبرونه مبالغا فيه ..شكل حجابك الذي يرونه فوق ما تحتمل أنوثة فتاة في سنك وجمالك..وفوق ذلك ،كون تدينك فاعلا حركيا ليس مسرحيا طقوسيا منكمشا خنوعا ومرتعشا كما يحلو للناس أن يمارسوا دينهم ويحلو للإعلام الرسمي أن يتغنى بالوسطية المصرية ..لم أتوقف رغم ذلك بل قلت :لعلى المخلص الذي سيستنقذك من ذلك الجو الجاثم حتما على إرادتك وضميرك وأشواقك الروحية المهاجرة الى ربها..منيت نفسي أن أصنع معك وبك أسرة مسلمة جميلة ومبشرة..أعرف أن ماحدث كان قصفا مكثفا لحصون إيمانك ،وتبويرا بربريا لحدائق شاعريتك وأحلامك..لكن عزائي في يقيني بقوتك وثباتك..وأنك حتى بعدما رفضني أهلك بحجة أنني مثلك متشدد يطوقني الخطر من كل صوب ،وحتى بعدما ازدادت قسوتهم معك لم يهن عزمك ولم تبهت شعلة روحك بل زاد نشاطك وتعددت الفتيات اللاتي التزمن على يديك..بلغني أيضا صبرك وصمودك أمام حمم الشماتة التي قذفتك بها أسرتك عقب القبض على إثر أحداث جامعة الأزهر العام الماضي التي اختلقت خطورتها ولفقت مضاعفاتها جحافل الحقد الإعلامي الرسمي الأسود..إننا لم نلتق منذ سعى أهلك لقصقصة ذلك الشىء الجميل بيننا ..كان طبيعيا أن ينهض حرج شرعي بيننا بسبب عدم وجود صيغة شرعية للقاء ..لكني أعلم أنك لم تنبذيني ...ما يطاردني كل لحظة هو الهم المقيم الذي تجرعينه ليل نهار ..حياتك كيف ستمضي على هذا المنوا ل القابض الخانق المنهك؟أدرك جدا أن غربتك تحاصرك بين أهلك ..أنت تمعنين في الالتزام والجهاد وهم يسفرون كل يوم عن ألوان جديدة من التضييق والاستهزاء بمشاعرك ..يؤرقني جدا ماذا ستفعلين إزاء هذا النكال الوحشي ..أنا وأنت بمقياس ما نرزح تحت نفس النير الظالم ..لم يلطف من نقمتي على سلب حريتي سوى أني رأيتك ذات إحدى الجلسات تقفين مع الأخوات أمام المحكمة التي تمنع حتى محامينا من قول ما لديهم كاملا ..ذلك اليوم كان انطلاقة تقويم جديد أؤرخ به لحياتي ..الآن ماذا عساى أقول ؟ ..أوصيك بالصبر؟.. بالثبات؟ ..أنت أدرى منى بذلك وأقدر عليه ..فقط أريدك أن تعلمي أن عذابك وتيهك سجن آخر يضاف إلى سجني ..أترين؟ مجددا،ها هو شىء آخر يجمعنا ..قدرنا أن يبزغ بيننا مهما حاولوا جديد يجمعنا ..حتى لو كان سجنا
*************