نقلا عن موقع: (ثروة مصر
كتب: طارق قاسم
لو كان مسئولو مصر كائنات فضائية أو مخلوقات مهجنة في المختبرات لتعاملوا بإنسانية أكثر وفهم أكبر وعطف أشد وجدية واهتمام أعمق مع مشكلات المصريين ...لكن الإنسان بوسعه أن يكون أي شيء بما في ذلك عدوا - بقصد أو بدون قصد- لأهله وبني جلدته عندما تستحكم في نفسه آفة الصلف ويلبس نظارة سوداء من التعالي واحتكار الحقيقة والحق في تقرير مصير الآخرين ...
دائما ما يتعاطى المسئولون في مصر مع مشكلاتنا من منطلق أن الناس قصر :همج ..غوغاء.. لا يعرفون مصلحتهم أو مصلحة البلد ..وبنفس الروح الديكتاتورية التي تصر على أن الإصلاح الاقتصادي المزعوم الذي بدأ منذ 26 عاما لم يثمر بعد وأن على الناس الانتظار وعدم العجلة فإننا نرى كافة الوزراء ومن هم في مواقع المسئولية المختلفة يتحدثون باستمرار عن أن سياساتهم التي تحقق الضنك بامتياز وتجلب الخراب المستعجل بسرعة في الأداء ودقة في التنفيذ عاليتين هما عين الحكمة وكبد التخطيط السليم الذي يشق ببصيرته حجب الغيب ويعمل للمستقبل وأن آثار هذه السياسات لن تظهر في القريب العاجل تحت أقدام الدهماء "الشعب" ....هذه الفلسفة هي عقيدة ودستور حكامنا منذ انفلق صباح أحول عن: "بني وطني ...اجتازت البلاد فترة عصيبة من الفساد ...والرشوة ...وعدم استقرار الحكم .."
وحمل ذلك الصباح كوديا اسم :(23 يوليو) والمحصلة أن كل نظام من الأنظمة التي حكمتنا فعلا يعمل للمستقبل الذي لا يأتي إلا بعد رحيله ..لكنه يأتي بالانهيار ...والفساد واهتراء البنيتين التحتية والفوقية ..وضياع كل أحلام المصريين في أيام أفضل.
ومع استمرار نقع المسئول من هؤلاء في سوائل الحكمة الإدارية اللزجة والتخطيط الأحادي للمستقبل الذي لا ولن ولم ومستحيل يأتي، يتولد حول المسئول غلاف من البلادة والحصانة ضد الإحساس بالناس ومعاناتهم ...والتوحد في فكرة أن كل مليون يضيفه لحسابه الخاص هو إضافة لمصر والمصريين وأن كل امتياز يجنيه من وراء منصبه هو إنجاز يضع لبنة في مستقبل مصر ...وهكذا تتفاقم العزلة وترتفع الأسوار ومع كل ارتفاع وكل نوبة تمرغ في نعم السلطة يزداد احتقار المسئول للناس ..وقدرته على سحلهم بدم بارد ....ويزداد استمساكه بوجهه البارد المسنون الذي ينشر به أحلام المصريين نشرا ..
يوما، كونا لجنة طلابية لمقابلة وزير تعليم عال سابق وعرض مشكلات طلاب الجامعة عليه وكان أهمها ارتفاع سعر الكتاب الجامعي واشتداد القبضة الأمنية على الطلاب الذين يمارسون نشاطا سياسيا ..وكان يخيم على الأفق مع بداية العام الدراسي الجديد موضوع طرد حوالي 900 طالب من السكن بالمدن الجامعية لعدة جامعات ...استقبلنا الرجل في مكتبه وبمجرد أن رأيت المكتب والبذلة التي كان يرتديها تعزز يقيني في أننا سوف نحمل في خروجنا مصنعا لأخفاف حنين ...
جلس الرجل معنا بابتسامته المثبتة بعناية بحدود ثابتة لا تزيد ولا تنقص ووجهه الذي ينطق بالدعة والثراء وعباراته المطاطة الواسعة التي بين طرفيها بعد المشرقين.. نفى الرجل كل شيء ..ورغم كل الوثائق والأوراق والصور التي قدمناها له تحدانا أن نثبت أي شيء مما نقول ...ورغم الإحصائيات الدولية التي أفادت بخروج الجامعات المصرية كلها من تصنيف أفضل "500 جامعة" على مستوى العالم إلا أن الرجل أصر على أن جامعات مصر من أحسن الجامعات في التاريخ ...وبمنتهى الثقة أرجع المسألة لكوننا لسنا متخصصين حتى نفهم ...وأننا باندفاع الشباب نتعجل ثمرات التطوير ..هذا الوزير كان ابنا لوزير سابق وخلفه الوزير "هاني هلال" الذي يدرس أبناؤه في السوربون بباريس ..وبدوره يتحدى الرجل كافة الأرقام والوثائق التي تؤكد انهيار التعليم المصري .يصر على ان الجميع لا يفهمون ...ويعلن باستمرار توسعه في التعليم الخاص ..لإصلاح التعليم الحكومي ..كيف هذا ..وحده هو يفهم ...وعلينا أن ننتظر بدون عجلة ثمار الإصلاح التي سوف تأتي في المستقبل ..متى هذا المستقبل؟ ..لم يحدد الوزير بعد ...
وزير الإسكان صاحب الفنادق والقصور ..المهندس أحمد المغربي لم يقدم حتى الآن حلولا علمية منهجية عملية لأزمة العطش القومي بسبب الحرمان من المياه في ربع مصر تقريبا ..فقط وعود مدعومة باتهام الناس بقلة الصبر وتعجل حل الأزمة ومخططات لمحطات مياه سوف تؤتي ثمارها في المستقبل ..
وزارة الطيران المدني بقيادة الفريق أحمد شفيق ...هدمت عدة وحدات سكنية في منطقة مساكن الشيراتون بالقاهرة لمجرد أنها ترى أن ارتفاعها يهدد سلامة الطيران لأنها قريبة من مطار القاهرة ...طيب لماذا استمر الطيران سليما معافى طوال العقود الماضية ولم يشتك سيادة الطيران من ارتفاع تلك المساكن علما بأنه تم الإبقاء على العديد من المباني والعمارات الأخرى بدون سبب إلا أنها تخص علية القوم ..لكن المشكلة تكمن- بحسب الوزارة- أن الناس تندفع وبدون تفكير وتتهم الحكومة التي هي أدرى بصالح البلاد والعباد ..
وزير الاتصالات د. طارق كامل أشعل أزمة أسعار الانترنت بدعوى مقاومة الوصلات الفرعية التي لجأ إليها الناس بسبب ارتفاع أسعار الاشتراكات ثم ترك المشكلة ملتهبة وسافر لقضاء إجازته بألمانيا، البلد الذي حصل منه على الدكتوراه بعد تصريحات طويلة كثيرة بأن الناس لا تدرك أبعاد قرارات الوزارة الجديدة ...ولا تفهم التخطيط للمستقبل ...
هكذا يبدو المستقبل الذي لا يهتم العوام بالإعداد له كيانا هلاميا مقززا غير مفهوم ...وأسراره فقط في جيب الحكومة
كتب: طارق قاسم
لو كان مسئولو مصر كائنات فضائية أو مخلوقات مهجنة في المختبرات لتعاملوا بإنسانية أكثر وفهم أكبر وعطف أشد وجدية واهتمام أعمق مع مشكلات المصريين ...لكن الإنسان بوسعه أن يكون أي شيء بما في ذلك عدوا - بقصد أو بدون قصد- لأهله وبني جلدته عندما تستحكم في نفسه آفة الصلف ويلبس نظارة سوداء من التعالي واحتكار الحقيقة والحق في تقرير مصير الآخرين ...
دائما ما يتعاطى المسئولون في مصر مع مشكلاتنا من منطلق أن الناس قصر :همج ..غوغاء.. لا يعرفون مصلحتهم أو مصلحة البلد ..وبنفس الروح الديكتاتورية التي تصر على أن الإصلاح الاقتصادي المزعوم الذي بدأ منذ 26 عاما لم يثمر بعد وأن على الناس الانتظار وعدم العجلة فإننا نرى كافة الوزراء ومن هم في مواقع المسئولية المختلفة يتحدثون باستمرار عن أن سياساتهم التي تحقق الضنك بامتياز وتجلب الخراب المستعجل بسرعة في الأداء ودقة في التنفيذ عاليتين هما عين الحكمة وكبد التخطيط السليم الذي يشق ببصيرته حجب الغيب ويعمل للمستقبل وأن آثار هذه السياسات لن تظهر في القريب العاجل تحت أقدام الدهماء "الشعب" ....هذه الفلسفة هي عقيدة ودستور حكامنا منذ انفلق صباح أحول عن: "بني وطني ...اجتازت البلاد فترة عصيبة من الفساد ...والرشوة ...وعدم استقرار الحكم .."
وحمل ذلك الصباح كوديا اسم :(23 يوليو) والمحصلة أن كل نظام من الأنظمة التي حكمتنا فعلا يعمل للمستقبل الذي لا يأتي إلا بعد رحيله ..لكنه يأتي بالانهيار ...والفساد واهتراء البنيتين التحتية والفوقية ..وضياع كل أحلام المصريين في أيام أفضل.
ومع استمرار نقع المسئول من هؤلاء في سوائل الحكمة الإدارية اللزجة والتخطيط الأحادي للمستقبل الذي لا ولن ولم ومستحيل يأتي، يتولد حول المسئول غلاف من البلادة والحصانة ضد الإحساس بالناس ومعاناتهم ...والتوحد في فكرة أن كل مليون يضيفه لحسابه الخاص هو إضافة لمصر والمصريين وأن كل امتياز يجنيه من وراء منصبه هو إنجاز يضع لبنة في مستقبل مصر ...وهكذا تتفاقم العزلة وترتفع الأسوار ومع كل ارتفاع وكل نوبة تمرغ في نعم السلطة يزداد احتقار المسئول للناس ..وقدرته على سحلهم بدم بارد ....ويزداد استمساكه بوجهه البارد المسنون الذي ينشر به أحلام المصريين نشرا ..
يوما، كونا لجنة طلابية لمقابلة وزير تعليم عال سابق وعرض مشكلات طلاب الجامعة عليه وكان أهمها ارتفاع سعر الكتاب الجامعي واشتداد القبضة الأمنية على الطلاب الذين يمارسون نشاطا سياسيا ..وكان يخيم على الأفق مع بداية العام الدراسي الجديد موضوع طرد حوالي 900 طالب من السكن بالمدن الجامعية لعدة جامعات ...استقبلنا الرجل في مكتبه وبمجرد أن رأيت المكتب والبذلة التي كان يرتديها تعزز يقيني في أننا سوف نحمل في خروجنا مصنعا لأخفاف حنين ...
جلس الرجل معنا بابتسامته المثبتة بعناية بحدود ثابتة لا تزيد ولا تنقص ووجهه الذي ينطق بالدعة والثراء وعباراته المطاطة الواسعة التي بين طرفيها بعد المشرقين.. نفى الرجل كل شيء ..ورغم كل الوثائق والأوراق والصور التي قدمناها له تحدانا أن نثبت أي شيء مما نقول ...ورغم الإحصائيات الدولية التي أفادت بخروج الجامعات المصرية كلها من تصنيف أفضل "500 جامعة" على مستوى العالم إلا أن الرجل أصر على أن جامعات مصر من أحسن الجامعات في التاريخ ...وبمنتهى الثقة أرجع المسألة لكوننا لسنا متخصصين حتى نفهم ...وأننا باندفاع الشباب نتعجل ثمرات التطوير ..هذا الوزير كان ابنا لوزير سابق وخلفه الوزير "هاني هلال" الذي يدرس أبناؤه في السوربون بباريس ..وبدوره يتحدى الرجل كافة الأرقام والوثائق التي تؤكد انهيار التعليم المصري .يصر على ان الجميع لا يفهمون ...ويعلن باستمرار توسعه في التعليم الخاص ..لإصلاح التعليم الحكومي ..كيف هذا ..وحده هو يفهم ...وعلينا أن ننتظر بدون عجلة ثمار الإصلاح التي سوف تأتي في المستقبل ..متى هذا المستقبل؟ ..لم يحدد الوزير بعد ...
وزير الإسكان صاحب الفنادق والقصور ..المهندس أحمد المغربي لم يقدم حتى الآن حلولا علمية منهجية عملية لأزمة العطش القومي بسبب الحرمان من المياه في ربع مصر تقريبا ..فقط وعود مدعومة باتهام الناس بقلة الصبر وتعجل حل الأزمة ومخططات لمحطات مياه سوف تؤتي ثمارها في المستقبل ..
وزارة الطيران المدني بقيادة الفريق أحمد شفيق ...هدمت عدة وحدات سكنية في منطقة مساكن الشيراتون بالقاهرة لمجرد أنها ترى أن ارتفاعها يهدد سلامة الطيران لأنها قريبة من مطار القاهرة ...طيب لماذا استمر الطيران سليما معافى طوال العقود الماضية ولم يشتك سيادة الطيران من ارتفاع تلك المساكن علما بأنه تم الإبقاء على العديد من المباني والعمارات الأخرى بدون سبب إلا أنها تخص علية القوم ..لكن المشكلة تكمن- بحسب الوزارة- أن الناس تندفع وبدون تفكير وتتهم الحكومة التي هي أدرى بصالح البلاد والعباد ..
وزير الاتصالات د. طارق كامل أشعل أزمة أسعار الانترنت بدعوى مقاومة الوصلات الفرعية التي لجأ إليها الناس بسبب ارتفاع أسعار الاشتراكات ثم ترك المشكلة ملتهبة وسافر لقضاء إجازته بألمانيا، البلد الذي حصل منه على الدكتوراه بعد تصريحات طويلة كثيرة بأن الناس لا تدرك أبعاد قرارات الوزارة الجديدة ...ولا تفهم التخطيط للمستقبل ...
هكذا يبدو المستقبل الذي لا يهتم العوام بالإعداد له كيانا هلاميا مقززا غير مفهوم ...وأسراره فقط في جيب الحكومة
No comments:
Post a Comment