Tuesday, November 20, 2007

ياااااااااااااااااااااادي برنامج الإخوان


نقلا عن :ثروة مصر


كتب:طارق قاسم
هل خلت مصر من أهل الجهامة والكلاحة حتى لم يعد ثمة من يلمز نور الشريف في (دماء على الأسفلت) و يخبره بسلوك أخته المنحرف ومشيها البطال بفظاظة غير امرأة ترتدي خمارا و رجل ملتح؟ و هل اختفت المتبرجات المترهلات كريهات االمنظر من مصر حتى تكون حبيبة محمود عبد العزيز القديمة في فيلم (سوق المتعة) محجبة في مآل مقزز لحسناء سابقا متلفعة بذرية مغبرة مثيرة للاشمئزاز رغم أن الفيلم مترع بالجنس و الإيحاءات الفاحشة؟

إنها الطبعة الوحيدة التي دأبت المخيلة العلمانية على إفرازها لتكون صورة لمصر والمصريين بعد سطوع الصحوة الدينية وانتشار المظاهر الإسلامية.. روح زاعقة الترصد والتقصد والتلكك والتلكؤ واللكاعة، تقف ببلادة عاقدة ساعديها بصلف إزاء كل مظهر إسلامي رغم أن الإسلاميين لا يتوقفون على التأكيد على كون الشعارات والعبادات االظاهرة كالحجاب والصلاة ليست أبدا معيارا حقيقيا للتدين
تلك المقدمة كانت الأنسب لبداية الحديث عن تعامل تلك الفئة مروعة التناقض صارخة القدرة على التطاول جرارة الاستعداد لنفى الآخر ونفخه وذبحه ببرود بينما تغني أغاني الحرية والتعددية والبرامجية وغيرها من مفردات الرطانة الجوفاء المستفزة المفرغة من أي مضمون تطبيقى،أقول تلك المقدمة هي الأنسب لوصف تعامل الفئة المسماة زورا وبهتانا (نخبة) و (مثقفين) مع الصورة المبدئية لبرنامج حزب الإخوان المسلمين


للحق، فإنه لا يجب التعامل مع القطاع الأكبر من الانتقادات االتي وجهتها تلك النخبة لبرنامج حزب الإخوان بجدية حقيقية ،ليس ازدراءا للحوار أو تقليلا من شأن الآخر لأننا بهذا نكون آثمين شرعا لأن الشرع قضى بالمشورة والحوار فيما ليس فيه قطع شرعي من الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهو ما جعل الإخوان يعرضون برنامجهم على أكثر من 60 مفكرا وسياسيا ومثقفا ..لكن عدم الجدية اللائق بالتعامل مع غالب الهجوم المنصب على برنامج الإخوان مبعثه كون الهجوم غير موضوعي وجزءا أصيلا من الرفض العقائدي للمشروع الإسلامي ومفرداته وخطواته ،مهما تذرع المهاجمون باعتراضات محددة ونقاط غموض موجودة فعلا في برنامج الإخوان ..أكبر دليل على ذلك هو أن الكلام عن برنامج الإخوان اتخذ لدى غالبية المهاجمين صيغا متجاوزة لأصول الحوار الموضوعي مستمدة من قواميس التجريح والتخوين والاتهام بالنفاق والتقية والسعى للدولة الدينية وغيرها من فقاقيع الهراء تلك


ببساطة لم يجر التعامل مع برنامج الإخوان – إلا قليلا- على أنه طرح سياسي خاضع أولا وأخيرا للتفاعل الفكري والنقاش العقلي والجدل السياسي.. ثم إن أحدا لم يتوقف أبدا مع إعلان قيادات الجماعة مرارا وتكرارا استعدادها لمراجعة البرنامج وتصويب نقاط الخلل به.. لم تلتقط النخبة المصابة بالحول السياسي والأخلاقي من كلام الإخوان سوى ما يعزز ويسوغ اتهامهم بما سبقت الاشارة اليه من اتهامات ،وهو نزق ذهني يؤكد أن تلك النخبة تعودت رفض الطرح الإسلامي لمجرد الرفض وهو ما ذكرني بمواطن تركي ركل الديمقراطية وخرج في المظاهرات الرافضة لترشيح عبد الله جول للرئاسة لا لشىء الا لحجاب زوجته. يومها قال المواطن التركي لمراسل بي بي سي أنه من العيب أن تكون سيدة تركيا الأولى محجبة ولما سأله المراسل إن كان يؤيد تدخل الجيش لحسم الأمر رد بالإيجاب فعاد المراسل ونبهه إلى أن تدخل الجيش يعني عودة البلاد للوراء عشر سنوات فقال المواطن التركي بكل ثقة: "أن تعود البلاد للوراء عشر سنوات بتدخل الجيش أفضل من عودتها مائة سنة للوراء عندما تدخل امرأة محجبة قصر الرئاسة"


مثقفونا مرجعيتهم ذلك المواطن التركي ،بدليل أنهم نسوا تماما أثناء احتدام الجدل حول برنامج الإخوان ظلم النظام المصري وفساده وسطوة رجال الأعمال واستحكام القبضة الأمنية ،وأصبح الخطر الوحيد متجسدا في الإخوان وبرنامج حزبهم
الدليل الآخر على الاعتلال المزاجي والشذوذ الأخلاقي والإنساني هو أن المثقفين الذين كالوا القدح والطعن في النوايا للإخوان بسبب برنامجهم ،هؤلاء جميعا لم ينبس أي منهم بكلمة تعليقا على المجازر التي تعرض- ويتعرض- لها طلاب الإخوان في الجامعات على أيدي البلطجية والحرس الجامعي تحت قيادة مباشرة من إدارات الجامعات طوال الأسبوعين الماضيين رغم أن وسائل الإعلام المحلية – المستقلة منها طبعا- والعالمية نقلت صور القنابل والأسلحة البيضاء التي استخدمها البلطجية والأمن في مهاجمة طلاب الإخوان..وهو نفس النهج الصادم الذي جعل صحفيا لامعا لا يخجل من الإعلان في برنامج تليفزيوني ذائع أن الإخوان أخطر على مصر من إسرائيل ..وهي عبارة فضلا عن كونها شاذة إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا ،فهي تطعن في مصرية مصريين لهم كل الحقوق التي لغيرهم..
نفس التعاطي الهابط الانتقائي الاجتزائي حدث مع التصريحات التي أدلى بها الدكتور عصام العريان وتطرق فيها لموضوع الاعتراف باسرائيل ..الرجل خرج بعد ذلك مباشرة وفسر كلامه في حوارات أخرى وأكد موقفه الرافض للاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب لكنه أوضح أن السياسة تقر بأن لكل حادث حديثا وأن الواقعية السياسية لها أحيانا معايير يجب أخذها بعين الاعتبار ،وهو كلام لا أظنه موضع خلاف من حيث المبدأ لدى العقلاء الأسوياء ،كما أن نائب مرشد الجماعة د .محمد حبيب قال في حوار لجريدة الكرامة قبل أسبوع أن الجماعة متمسكة برفض كيان العدو الصهيوني ورفض المعاهدات الموقعة معه ..نفس الشىء فعله المرشد الأستاذ مهدي عاكف ،لكن للأسف كان الثلاثة يؤذنون في مالطة لأن النخبة المرتبكة المعقدة محترفة التصيد المسىء والترصد الأرعن كانت قد أجمعت كيدها وحسمت أمرها وهجمت بقضها وقضيضها وشرعت جوقتها الجهنمية في غناء نفس النشيد الأسود(الإخوان كذابون..الإخوان منافقون..الإخوان سيئوا النية..يريدونها دينية) ولم يكلف واحد من أشاوس النضال الإلكتروني ومحترفي الحنجوريات االمتهافتة السطحية أن يسأل نفسه سؤالا واحدا: ما دام الإخوان منافقون هكذا،ملتوون هكذا،متلونون هكذا،لماذا إذن لم يتوصلوا مع النظام لحل يخرجون به قياداتهم السجينة التي تحاكم عسكريا محاكمات لم تحظ من المثقفين بربع الهجوم الذي شنوه على برنامج حزب الإخوان ،ويفرجون عن أموالهم المصادرة


كما قلنا ..إنه الحول الإنساني والهبوط الحاد في الدورة الأخلاقية والازدواج المتهور في المعايير السياسية وهي كلها أمور تعودتها النخبة وتراها أساسية لاستمرار الحياة..وحسبنا الله ونعم الوكيل

Friday, November 16, 2007

الطوفان

حتى لحظات قليلة مضت،كنت أظنني مبتدئا في فهم الآيات ،والتقاط النفحات ،واستلهام الحكم الجارية تحت طبقات كلمات القرآن الرقراقة المنداة بالروعةالقدسية والنغم الرباني.. إلا أنني اكتشفت أن بعد المشرقين يتمدد آمنا مطمئنا بيني وبين تلك المرحلة..فالأمية الفظة الخانقة الصماء هى ما رأيتني أرتع فيه حتى العماء ،ولولا رحمة ربي لكنت من الهالكين
=====
لقيني كعادته ،تطفو بشاشته وطلاقة وجهه بإحكام على سطح مهابة شاسعة..صافحته وكالعادة طلبت منه الدعاء..بتعبير رؤوم راسخ لا يشوبه مثقال ذرة من عمد أو تسلط مد نظراته إلى عيني مباشرة،شعرت بها تنداح عبر شباكي عيني إلى داخلي ..أشهرت على الفور إذعانا محببا من النوع يفترش الموقف تلقائيا عندما نكون بإزاء أحد الصالحين
قال بصوته العريض الرزين المؤثر:ربنا يصلح لك الحال وييسر لك الأمور
نعم الغنيمة المولودة مع فجر يوم جديد
استويت خلفه ،في الصف الأول من صفي الفجر اليتيمين اليوميين .. سلمت نفسي..وأقلعت بقلبي صوب جنة فواحة مترامية ركعتان من أروع ركعات العمر
كبر
لاح كجبل من يقين أبيض ..عمود من نور ومرمر تنبعث منه الآيات جليلة ندية أخاذة..مجسمة مرئية..زالت المسافة بين ألفاظ التلاوة وبين مضمونها الذي غمرنا أثيريا ملحميا داويا متلاطما يهز القلب وينفض عن العقل بقايا الهجوع
انمحت الفواصل بين السمع الذي مفترض أن نتلقى به الآيات ،وبين التمرغ الحميم في مجسمات الصور والأحداث تحت سطوة المعنى الذي انهل جارفا كاسرا سديمي الإيقاع جرف الأرواح إلى شرفة علوية كونية منخلعة من اعتبارات الزمان وجدران المكان مغموسة في
شهود حق بازغ تتخلق إرهاصاته ثم تترى وقائعه وتهب تداعياته ..عاصفة بالأبصار أنواره وتجلياته
ياالله
بالحق كاد قلبي يتوقف..بالحق انحبست أنفاسي..واحتقنت نبضات النشوة حتى غصت بها سريرتي ،ولم يكن ثمة من مخرج سوى الهروع إلى إعلان الإفلاس أمام إعجاز القدرة ،وإشهار الاستسلام والعجز وذبح جمود النفس وإراقة دمه دمعا هاطلا لم ولا ولن يساوق أو أو يسابق انهمار الرحمات وتكاثف الدلالات
وقال اركبوا فيها
باسم الله مجريها ومرساها
إن ربي لغفور رحيم
تقاذفني مع السفينة موج الطوفان الذي كالجبال..تماهى كل شىء مع كل شيء ..ذاب كل شىء في كل شىء..الوجود صار محض حال من
الجزع الممتزج بالعرفان العاجز والحيرة اللاهثة اللاهبة قلوب أهل المركب النائح المتضرع اللائذ بجناب الله طلبا للسلامة
شعور عارم أشبه بانسلات الروح ..خضوع ينز توسلا ..غارت أشلاء النكران والجحود تحت اللجة فلا شىء بقى سوى بشر و آية ظاهرها الخطب الجلل المدلهم وباطنها رحمة سخية مفعمة بالبكارة تجري بفرح كاسر في عروق الوجود بعد طول تصلب وهجران
ناداني نبي الله نوح ..نادى الشيخ الابن الكافر الخائن..في حضرة العبرة تكون السطوة للحكمة..للحقيقة..للقاعدة السارية الحاكمة رغم الزمان وفوق المكان
أ جل
أنا المارق الآبق الذي بصق من طويته الملتاثة جبلا وهميا من غرور وعنت وقال سآوى إليه فبنى له الشيطان فوقه قصورا فاجرة سرابية من الأمان المزعوم وقت لا عاصم من أمر الملك إلا هو
منه....وإليه
بيده......وإلى مشيئته
لا مصير إلا ما صاغت إرادته
ولا مآل إلا الذي قدرت حكمته
==========
طفق اللسان يلهج استغفارا وإقرارا
خر القلب قبل الجبهة التى هرعت إلى المسكنة مأوى من الفزع
لانت الملامح التي رأت في المذلة إبراء للضمير والنفس من الصلف والعزة
هل غرقت مع ابن نوح في ماء الطوفان أم غرقت في دمعي؟
لم أفق إلا والعين تبلع ماءها والروح تقلع عن سكب نفسها مدرارة فوارة لوعة وأوبة
استويت مع الشيخ والإخوة نراقب رسو السفينة ..زغردت في آذاننا ابتهالات النجاة..فرح شفيف خيم وأزاح كل عناء

Thursday, November 15, 2007

ذهب مع الريح



أنقذني من الرضوخ لفكرة أن الذي حدث يشبه ما يجرى في الأفلام العربي كون ما ذكرني به ورماني في حضنه المؤلم المثير للشجن مشاهدتي مرة أخرى (ذهب مع الريح)..الفيلم الأسطورى ..مدينة الحنين والأحلام السحرية ..والذكريات الجميلة الندية ..التنهيدة الموحية التي بعثها زمان البراءة من ضريحه المهيب في مقبرة الأيام .. بنعومة ولوم لكزنى المشهد الذى التقى فيه (ريت بتلر )ب(سكارليت أوهارا) أمام عربتها ذات الحصان ..كال بتلر لسكارليت عتابا قاسيا مغلفا بالسخرية والمزاح وسألها إن كانت معتادة أن تتزوج رجالا لا تحبهم ؛بعد ما تزوجت من مستر كندى ..ركبت سكارليت عربتها غاضبة ومضت ؛ثم بعد قليل فى مشهد آخر حمل بتلر لها نبأ موت زوجها لأتنفس أنا الصعداء ..هل فقط لأن ذلك يعنى سقوط السد الذى بين بتلر وسكارليت ؛أم لأن تلك إشارة ما ؛أو عينة لما يمكن ان يحدث بشأن صديقى ؟ صديقى ذلك كان أحد أبرز أعضاء شلتنا التى كانت جوهرتها فتاه تشبه فى أشياء كثيرة سكارليت أوهارا ؛لم يكن من بين وجوه الشبه تلك الغضب السريع والانسياق وراء تحقيق المال بأية وسيلة ..كانت بحق رقيقة نبيلة وشاعرة ساحرة العبارة دافقة الخيال ..وكانت (بنت ناس) بحسب اسم العلبة الأنيقة المرصعة بالإحترام المبالغ فيه الذى يغدقه الناس على من يرفلون فى مثل وضعها المادى والإجتماعى الوثير المفعم بالوفرة والذى ساعدها على خلع كل ما يعكر صفو رقتها أو يشوب إبحارها فى عوالم الشعر والخيال ..صديقى وشاعرتنا كانا متقاربين حد التناغم لدرجة أن الجميع قرروا بثقة جارفة أنهما لبعضهما ما لم يحدث أمر ما يذهب بما بينهما مع الريح ..كشلة باركنا هذا التقارب وهيأنا أنفسنا لوقت يتحول ارتباطا وأسرة ..لكن مع الوقت نظر صديقي للأمر على أنه محسوم ومفروغ منه بشكل جعله يتعامل معها كأنها ملك يمين مركون رهن الإشارة ينتظر إيماءة بسيطة لا تكلف شيئا ..أما هى فقد كانت مسالمة لدرجة جعلتها تكتفى بالانتظار الأخرس المحزون ..اكتفت بالتساؤل الصامت مع نفسها حينا ؛ثم لما فاض حملتنا بعضه فى حياء على شكل إخبار مطرق بالخطاب الغارقين فى الأموال والمناصب والأوضاع الإجتماعية المخلة برجحان كفة صديقنا أحيانا ..نقلنا لها الحكاية مستغربين بدورنا (تناحته)وبروده..كان سمجا جدا منه أن يكتفى بإطلاعنا على كونه لم يستعد بعد بالشكل الكافى وكان صادما أن يماطل ـ بلا سبب واضح ـ فى قبول اقتراحنا أن يتقدم لها الآن على سبيل الخطوبة وطبيعى أن يتفق مع أهلها على فترة لإستيفاء الواجبات زخت طرقات الخطاب بضراوة أشد على باب صديقتنا وتناسب ذلك طرديا مع سريان الوهن وشىء من الشعور بالخذلان فى قدرتها على التملص والرفض كما نفدت كل الحجج التى كانت تتعلل بها وتسوف فى الأمر بموجبها إلى أن جاء خاطب بلغ من استكمال المواصفات حدا جعل أهلها يفتحون له الباب على مصراعيه ؛ولم يكن أمامها سوى القبول.
هوى الخبر على صديقنا مروعا وجعله كمن وجد نفسه أمام حقيقة لم يتخيلها أو يفسح لها مجالا في حسبانه ..كان يعول بلا شك - وبلا ضمير أيضا ـ على تعلقها به وانصياع الجواري الذي أرادها أن ترسف فيه حتى يقضى هو أمرا يريد أن يكون مفعولا..لحظتها فقط أفاق ..فعلا أفاق ..كانت السفينة قد أقلعت ولم يكن هو- رغم طول الفرصة ـ قد ألم بالسباحة
باستثنائه، حضرت الشلة كلها الزفاف الضخم الباذخ ..عندما هنأناها كانت نافرة من عينها فرحة مشدودة متوترة من طول الحشد.. تمنينا لها بصدق ورثاء حياة جديدة سعيدة ..وبدا أنها منهكة من كثرة ما استدعت طاقتها على الارتحال صوب هذه الحياة الجديدة صديقنا يسألنا عنها باستمرار ..ولمعرفتي به فأنا على يقين من أنه يعتصر ذاته وهو يتمنى لها التوفيق ويحملنا لها التحية.. وهى تكرس لعشها الزوجي كل كيانها وقدرتها.. أما نحن ..فلا نكف ـ ولا نستطيع ـ عن تذكر الذي كان وذهب مع الريح

Tuesday, November 13, 2007

ومن آياته الشتاء يحل حميما موشى بالسكينة

كل عام..في مثل هذا التوقيت يخرج قلبي إلى مشارف مدينة الزمن ،يتشوف عودة الشتاء الحبيب..يرنو محاولا النفاذ عبر طبقات الوقت متشمما متحسسا أمارات حلوله ..وبشائر مقدمه..كلما التقى منها واحدة ابتهج ..كلما زادت رقص ..كلما تكاثفت ارتعش كقلب غض يمسه الحب لاتول مرة
الشتاء
تلك الشريحة الندية المخملية من الزمان..حيث كل شىء ملون ينضح حياة ورقة..حيث الوجود بديع وبراق ..واللحظات مغسولة زاهية مبشرة فاتحة ذراعيها على حضن وارف بآفاق مغرية من الأحلام ليس لها حدود
أنتظر الشتاء مع هبوط الصيف من كل عام ..يخيم الصيف ثقيلا ..خانقا..لزجا..معروقا..يشل أوصال الحياة بسم زعاف ينفثه بضراوة ماجنة..اغتصاب علني ممجوج للحيوية والنضارة..احتلال لأروقة الزمن بالفوضى والارتباك والضجيج،يتحول معه كل شىء إلى عبء..وكل حلم إلى ذبيح..وكل سعادة إلى كائن غير مكتمل..وفيلم عربي بذىء هابط أسود كأفلام المخدرات في الثمانينيات ..تلك التي كانت أكبر خطايا أسرنا أنها تركتنا نجلس أمامها بالساعات ،فشوهت نفسيا جيلا كاملا،ببشاعتها وابتذالها يأتي الشتاء كنبي من أيام وأسابيع يذيب بلطفه ودماثته ووداعته جاهلية الصيف وينسف مذابحه الوثنية لحلاوة العيش..يتلو على العمر تراتيله القدسية ..وينبىء الحياة عن حقوقها المهدورة..وجمالياتها المغدورة المطمورة تحت ركام عبث الصيف وعشوائيته..يحل شعائر السلام والمودة مكان طقوس الارتجاج والارتجال والضوضاء التي فرضها الصيف وأشرف على التهامها القرابين من راحتنا وأماننا وتأملنا الصافي النفاذ أمني نفسي كثيرا في الشتاء بأوقات مفعمة بالتفتح ،وتنتصب قرون استشعار روحي حساسة لمواطن الجمال والبهجة والشاعرية والإبداع..أشعر بصلح جياش مع الأشياء والبشر..ينحسر غضبي وأبذل محبتي مدرارا..حتى صلاتي في الشتاء أستشعرها أكثر خشوعا وزخما بالتبتل والخضوع والتيقظ للروحانيات والمعاني..تغدو النفس أقدر على التقاط الآيات وترجمتها فوريا إلى فوران روحي عارم يخلع الدنيا وينبذها بلا ذرة تعلق ولا قلق..أسعد الرمضانات التي عشتها كانت الشتوية،أي التي جاءت في الشتاء،لأن فيوضاتها ونورانيتها زامنت وقتا هو بالأساس وقت انتعاش روحي بالنسبة لي..كنت أشعر أنني أعيش في كنف آية رحيبة مشحونة بالروعة من آيات الله المجيد ، فضمن آياته عز وجل – بالتاكيد – أن يأتي وقت تزخ فيه الدهشة المفجرة للبهجة على حياتنا المنهكة اللاهثة في أيام الصبر العبوس هذه التي أعيت القلوب وشرخت الأرواح ونهشت العقول..منطقي بعد ذلك أن تكون من بين أحب الأغنيات إلى قلبي (الدنيا برد)- منيب،(رجعت الشتوية) و شتي يا دنيا)- فيروز،(جيت يا شتا)- حميد)
الآن أنا مأخوذ بالاستعداد لاستقبال الشتاء في دورة تطهر لا إرادية تتوالى حلقاتها وتتشابك كجنين يتخلق في رحم أمه ناثرا اليقين والبشارة والبراءة..ولساني يلهج بحمد الكريم وشكره أن منحني الحياة حتى أذوق نشوة الاستعداد لشتاء جديد داعيا إياه سبحانه أن يرزقني شتاءات عديدة جميلة وسخية وثرية ..

Saturday, November 10, 2007

أمي الحبيبة...سحقا لهذا العالم


أمي
ثم أرتطم بحائط بارد صلد من جفافي وفظاظتي وخواء الروح المدعم بعقم الكلمات وعجزها عن نقل دفقات الرثاء والحنين الذي يسفع بي بلا شفقة
أمي
ماذا أقول وكيف أكتب وقد سال كل شىء وانسكب مراقا على جوانب أوقات مدببة مناهضة للأمان
المهم
هي كائن من خارج الزمن
مسبوك من معاناة محضة ،يبذلها بتفان لا حدود له..ورضا لا تشوهه أبدا عبارات الضجر والشكوى التي تنحشر من خارج السياق من نوع:
يا أخي أنا زهقت من اهمالك ده ..نظم حياتك شوية-
غسيلك كتير خالص..لما أسافر هتتعب اخواتك
مش معقول اللخبطة اللي انت عايش فيها-
والذي يبلغ ذروته مع التقريع المعتاد
ما تشد حيلك بقى وتتجوز عشان تلحق اصحابك اللي اتجوزوا وخلفوا...دا انت بدأت تصلع وشعرك يبيض-
وهكذا
تصبح كل محاولات اثنائها عن فعل شىء مهما بدا صغيرا مجدبة فاقدة الجدوى والمعنى واللزوم تماما مثل الحزب الوطني

ملامحها المنهكة باستمرار..جسدها المهدود ..نظراتها المكدودة ..توحي أنها لن تصمد أبدا أمام جبل الأعمال التي تنوى القيام بها يوميا ..فضلا عن مجرة الهموم والشواغل النفسية التي تتقاذفها ..لكنها تفاجئني بعد عودتي كل يوم من العمل متأخرا ليلا أنها انتصرت على كل شىء ..وعلينا.. وعلى مشاكلنا ..وعلى عذابات الحياة التي تصبها فوق رؤوس الجميع بدون ذرة احترام ..ثم تقف مدشنة نهاية مشرفة جديدة ليومها الآخر الفائت بإعداد عشائي الذي لا تعرف هى أنني طوال تناوله لا أكف عن تأمل دأبها وصبرها وكدها ..ثم أخيرا ترتمي على عتبات الراحة متوسلة ساعات نوم ضنينة ..وحتى هذه لم تعد تهنأ بها منذ جاءت أولى حفيداتها ،سلمى بنت أختي
المشكلة الحقيقية هي أنه بحكم الزمن وقوانين الحياة وسيرورة الأحداث والأشياء فإنني،وإننا، لا نملك – للاسف- تخفيف معاناتها وإرهاقها وقلقها علينا وكذلك توترها وإثارة غضبها ..لأننا- بمنتهى البساطة- ولجنا دروب الحياة التي لا مندوحة عن تهييجها للهم وانشغال البال :العمل..الزواج ..المستقبل..السعى وراء الرزق..وفي حالتي تظل الدراسة مبعثا متوهجا للقرف..وهناك في مرتبة أسبق يجثم أمن الدولة الذي أصبح جزءا مغروسا في حياتي أيضا بحكم منطق الأشياء وقوانين الحياة ..إذ كونك تسعى لتكون إسلاميا على قدر من الجدية وكونك قطرة مهما كانت ضئيلة وهامشية في بحر معارضة هذا النظام البذيء الفاجر ،كل ذلك يجعلك مرمى أبديا لنيران الزبانية ونقمتهم وتنكيلهم
ما الأمر اذن؟
وفيم الرثاء؟
ببساطة لأن منطق الأمور – لثالث مرة- يقتضي أن تكون هذه المساحة من وجودنا مشحونة بجيوش المشاعر الحزينة ..نندفع جميعا في طرق لابد من الرضا بها ..علينا أن نكابد ما وسعتنا الطاقة لتجميلها وجعلها في متناول الاحتمال ..متسربلين بدروع الحزن ..نتعاطى الحنين كمسكن لتقرحات الروح التي تخلفها الأيام الناعمة المهدورة المغدورة ..يذرعنا الشجن للعمر المراق في وديان الألم ..وهى أمور لا يروضها سوى الإيمان واليقين بالعالم الآخر ..الحياة الحقيقية ..حيث ينزاح وعثاء الفانية عن الصدور .ويجلو النكد عن القلوب
أمي الحبيبة...سحقا لهذا العالم